من أصل ملك لا يبلى ونعيم لا يفتى ، من جنّة وارفة الظلال يعجز عن وصفها الخيال ، كانت أرض
الرياحين
والعنبر ، أرض المسك الأذفر ، أرض قد جمعت كل ما يسر العين ويلهب الفؤاد ُ بحسن تاقت له أنفس العباد ،
لقد كانت تلك جنّة آدم ومقر حواء ، ينعم فيها كل مليح بلا شهوة أو أهواء يقوم على خدمتهم جنود ّ مسخرون
لراحتهم وتقوم أعظم الكائنات على حراستهم ، تلك الكائنات التي أراد الله ان يسر بها
أعين عباده المخلصين ،
كان أروعها وأجملها وأحسنها في ذلك العالم الساحر هي الحيّة . عندما كانوا في الجنّة
نعم لقد كانت الحيّة أجمل من أن توصف بكلمات وأروع
من أن تذكر بعبارات ، لقد كانت ذات جسد عظيم
وأجنحة طوال ذات ألوان براقة تتلألأ في كل رفة جناح
منها ينتثر المسك والعنبر و في كل سكنة وحركة يفوح
منها الياقوت والزبرجد الأخضر ، كانت ذات أربعة قوائم
تمشي مهابة الجانب أينما أرادت ، وهي كانت الكائن
الوحيد في مخلوقات الجنّة الذي كان يملك اللسان
الحصيف والقدرة على التواصل اللغوي مع أهل تلك
الجنة حتى مع آدم وحواء انفسهم ، ولأنها كانت من أكرم مخلوقات الله وضعها الله على أبواب جنته الأرضية
تلك ، ولقد أنعم على تلك الحيّة حتى في إسمها وجعلها مشتقة من لفظة "الحياة" وكأن الله كان يقول لها
أعطيتك مهمة الحفاظ على حياة عبادي المخلصين وجعلتك حارسة لهم ، فصوني ذلك العهد وكوني خير
حارس ، ولكن هل صانت الحية ذلك العهد ، هل قدرت عطايا الرب وشكرت نعمائه عليها ، هل كانت حقاً نعم
الحارس على حياة من استؤمنت عليهم ؟ وا أسفاه ، لقد ضيعت كل هذا وخانت الأمانة وسمحت لصاحبها القديمعزازيل بالدخول إلى مقام آدم وحواء بعد أن مهدت له
وتحدثت بأفكاره ، وكانت حينها هي الكائن المسموع
الكلمة والمهاب الجانب ، والتي كانت تأنس لها دوماً حواء
وتقول لولا أنها صاحبة منطق عظيم ما كانت ليعطيها الله
القدرة على الكلام دون سائر كائنات الجنّة ، وكان ما
كان من معلوم الراويات و مقصوص الحكايات إذ إنتهى
الأمر بطرد الجميع بما فيهم الحيّة ، فقال الرب في سفر
التكوين "وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك
ونسلها هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه" ولكن ألا
نتدبر كلمة "نسلها" إذا فلنتدبر الأمر من بداية الطرد وماذا حل بذلك المخلوق العظيم جرما "بكسر الجيم"
والقبيح جرما "بضم الجيم" إن مخلوق الحيّة في ذلك الوقت حينما كان حارساً على جنّة آدم و حواء ، لم يكن
إلا النسخة الرائعة الوصف والحسنة المنظر والبهية المظهر من ذلك المخلوق المشوه والقبيح الصورة والذي
إصطلح عليه فيما بعد بـ "التنيـن" ولكن كيف هذا ؟ إن سفر إشعياء يطالعنا بأغرب نص يدل على هذا حينما
يقول : فإنه من أصل الحيّة يخرج الأرقم ونسله يكون تنيناً طياراً ، وإن التفسيرات المحورية الأخرى لمدلول
النص يختلف إختلافا جذرياً عن ما أود قوله ، ولكن
أسس القاء الأفكار يعتمد دوماً على حقائق يتم الضرب بها
مثلاً لتعبر عن المغزى المراد ، لذا فلنتدبر تلك المقولة
جيداً ، حينها سنعلم بما لا يدع مجالاً للشك أن "حيّة
الجنة" ذات الوصف الملائكي الرائع لم تكن إلا أصل ذلك
المخلوق المشوه العظيم البنية ذي الأجنحة المهيبة ، وإن
من جمال هذا النص انه يدل على مراحل تطور التنين منذ
ان كان حيّة رائعة الوصف اذ يقول أن الأرقم يخرج ما
معنى يخرج هنا ؟ حينما نقول لقد غضبت حتى خرج الوحش من داخلي ، هي كناية عن تحول في الصورة
المعتادة لشيء مألوف وشيء موصوف سلفاً وهنا تأتي لفظة يخرج ، ولكن ماذا يعني يخرج الأرقم من الحيّة
وإن مراحل تحول ذلك المخلوق الرائع وصفاً وهو الحيّة السماوية مرت بثلاث مراحل : أول مرحلة هي
مرحلة المسخ وهو الأرقم ، ثم مرحلة التحول إلى تنين ، ثم محو أثر التنين من خلال مراحل التطور الجينية
بطفراتها المعروفة حتى ظهور كائن الثعبان .مراحل التحول
مرحلة المسخ كانت أبشع مراحل التحول في ذلك الكائن
السماوي الذي آل فيما بعد الى كائن منحط منبوذ ، إذ
تكسرت قوائمه وانتزع ريشه وانشق لسانه وصارت
روائح المسك والعنبر الذي كان يفوح بها منطقه قبل أن
تفوح بها كلماته مجرد روائح عفنه أشبه بغاز الميثان ، إن
لم تكن هي حقاً غاز الميثان ، وبعد أن تكسرت القوائم قام
الرب بالقائه في البحر ليصارع الغرق ويحرم عليه السير
على أرض الله التي سيكون فيها آدم وحواء فيما بعد ، في
تلك الفترة من حياة النبذ والمسخ كان أشبه بالحيات
الموجودة حالياً ولكن كان عظيم البنية لدرجة لا توصف أشبه ما يكون بوحوش الماء المسكوت عنها "لوخ
نيس" وكان حينها أسوداً متفحم اللون يصارع الماء ولا يستطيع المقاومة حتى بتلك الأجنحة المتكسرة التي
تركها الإله فيه إذلالاً له ، اذ كانت أجنحته مليئة بالأشواك وأقدامه مكسرة وكل شيء فيه مشوه ، في تلك
المرحلة "يصفه سفر إشعياء بالأرقم" أي الوحش الأسود المخفي عن أعين المخلوقات الأخرى حتى أن بعض
المصطلحات كانت تصفه بالتن أي الكائن البحري ذي الأشواك ، كل هذا جيد ولكن هل سيترك عزازيل
صاحبه القديم ؟ هل سيترك من تحمل الطرد والمسخ والتشويه من أجله ؟ هل سيترك صديقه الصدوق بعد أن
كان أعظم حارساً على أعظم مملكة خلقها الرب ، بالطبع لا ، حيث تطالعنا مصادر العهد الأول من كتب
الاقدمين أن الأرقم او الثعبان المائي الضخم الذي كان يصارع الغرق ويعاني من الذل والإنكسار ، قد خرج
الى الأرض حتى استطاب وتعافى ولكن هل عاد إلى سابق عهده من الجمال والبهاء ؟ بالطبع لا ، لقد أصبح
أشبه بعظاءة طائرة أي أشبه بالديناصورات الطائرة ولكنه لم يكن ديناصورا ابدا ، لقد كان مخلوقاً بعدة
مواصفات بعيدة تمام البعد عن فصيل الدايناصورات . عزازيل و التنيـننعد إلى عزازيل المنبوذ الذي أخذ عهداً على ذلك الكائن
الذي قالوا عنه خرافي وقالوا عنه أنه غير موجود على
الرغم من وجود نسله الى الآن في مملكة عزازيل
الماورائية تلك المملكة التي أراد بها أن يحاكي مملكة
الرب والتي كان حارسها أعظم كائن خلقه الرب ولكن
ماهو العهد الذي أخذه على ذلك المخلوق ؟ لقد اخذ عليه
العهد أن يتركه يحيا في البرية بين البشرية حتى يقضي
عليه الموت ، وأن له حرية التنقل بين العالمين عالم البشر
وعالم عزازيل الماورائي ، وأن يكون نسله الضعيف
المشوه متروكاً للبشر ليروه ويشعروا بالخوف كلما رأوه
وان لا يساعد نسله إذا تمكن منهم البشر لأنهم نسل
ضعيف وأن يترك نسله القوي كخدم له يحرسون مملكته
التي انشأها بالقرب من أول بقعة وجد فيها ، وتوضح هذه
الصورة وهي تدعى " طلسم روح ّ الشر الأولى " وفيها
وصف لبداية المملكة وحراسها من التنانين الذين إختارهم
عزازيل ليكونوا أشبه بحماة الدوامة التي يخرج ويدخل
منها إلى أي عالم يريده ، هؤلاء هم من فصيل التنانين
المتحولة وهم أقوى الأنواع التي اختارهم عزازيل ، حيث
يتحولون إلى ذوي أربعة أقدام أو إثنين ويطيرون بجناحين وأحياناً لايستخدمون الأجنحة ، هما إثنين على
مدخل دوامة الولوج إلى العوالم التي يريد دخولها ، أما البقية الباقية فغير متحولة وتسكن في مملكته بخلاف
وجود الكثير من الثعابين بشكلها المعهود في تلك المملكة ، إن عزازيل قد أخذ التناين التي كانت من نسل الحية
الأولى كحراس يقفون على مدخل مملكته يحرسونها مضاهاة لعمل جدهم الأكبر حينما كان حارساً على مملكة
الرب العلوية فذلك الكائن إكتسب شهرته ووجوده بين جميع الأمم مثله مثل "الشيطان" فالإثنين تم نبذهم
والإثنين لم نرهم رؤيا العين ولكننا سمعنا عن أخبارهم ورأينا بعض من أثارهم إذاً فما بال تلك العهود التي
أخذها عزازيل على الحيّة الأولى "التنين فيما بعد" لقد إستوقفني ذلك العهد بالذات أن يكون نسله الضعيف
المشوه متروكا للبشر ليروه ويشعروا بالخوف كلما راوه وان لايساعد نسله اذا تمكن منهم البشر لانهم نسل
ضعيف اذ فلنأت للجملة الأولى من العهد " أن يكون نسله الضعيف المشوه متروكا للبشر ليروه ويشعروا
بالخوف كلما راوه" لأن الآثار والدلائل الجيولوجية تدل حقاً على وجود بعضاً من تلك المخلوقات التي قالوا
عنها تنين ولكن بالفعل تنين مشوه ليس كما يوصف وليس كما هو معروف عنه ، حيث تطالعنا بعض الكتاباتالعلمية التي تمت كتابتها في نهاية القرن السابع عشر الميلادي عن وجود مخلوق ميت وله الكثير من
المواصفات التي تنطبق على التنين وهذا هو شكله ، ثم يطالعنا القرن السابع عشر ايضاً وتحديدا في العام
1651 عن وجود حفرية لكائن التنين المسموع عنه وهذه هي الحفرية ، اذا فما معنى كل هذا ؟ ما معنى أن
يكتب في العام 1640 كتاب باللاتينة يتم فيه وصف دقيق لكل ما يتعلق بالتنين وأنهم يختلفون في عدد الأرجل
بدءاً من عدم وجودها وانتهاءاً بوجود ثمانية أرجل ، ما معنى أن يتم ذكر قصة تروى عن الملك النرويجي
هارالد و عبده المطيع أنهم قاموا بقتل تنين في أعالي الجبال كانوا قد وجدوه غير قادر على الطيران وهي
قصة مشهورة في الثقافة الإسكندنافية ، إذاً فكل تلك المعاني تدل بما لا يدع مجالاً للشك أنها تنفيذ حرفي لتلك
العهود التي تم الإتفاق عليها بين عزازيل وبين الحية الأولى.
التنين و نفث النار
إذاً ، إن كان حقاً هناك مخلوق طائر وأسمه التنين فكيف كان ينفث النار وهو كائن حي ، شئنا ام أبينا لقد
اصبح كائناً أرضياً بخلاف قدراته الماورائية التي تسمح له بالولوج الى العوالم المتناظرة المختلفة ، لنقم
بتشريح ذلك الكائن ، إن ما يهمنا في ذلك الكائن هو ثلاثة أجزاء "جهازه الهضمي والتنفسي والعظمي" إن
جهازه الهضمي أقرب الى الحيوانات المجترة حيث تتكون معدته من ثلاثة غرف فقط ، فحينما يقوم بأكل
اللحوم والنبانات والتغذي عليها لا يتم هضمها مباشرة ، بل تترك حتى تتعفن وتتخمر في عدم وجود الأكسجين
إذ أنه هضم لا هوائي فينطلق مركب هيدروكربوني وهو الميثان ، ما أن ينطلق الميثان حتى يتم تخزينه في
الغرفة الثانية وهي الغرفة الموصوله مباشرة بجهازه التنفسي ، وبما أن الميثان مركب غير قطبي فمن
المستحيل أن يذوب في الماء التي قد يحصل عليها ذلك الكائن المدعو تنين ، حتى حينما يتحصل على الماءفإنها لا إرادياً لا تهبط على الغرفة الثانية في معدة التنين
، ثم يظل الغاز حبيساً في الغرفة الثانية ومغلقاً اغلاقاً
محكماً عن طريق صمام عضلي يقوم بتلك العملية بكل
سهولة ، وما أن تأتي الرغبة في نفخ النار فما على التنين
إلا
أن
يستنشق كمية هائلة من الهواء المحمل بالأكسجين ثم في لحظه إخراجه يتم فتح الصمام على غرفة معدنه
الثانية ليتم إخراج غاز الميثان وفي وجود الأكسجين تنطلق الشرارة من خلال فتح فكه السفلي بطريقة تستدعي
حك نابيه العلوي والسفلي مطلقاً تلك الشرارة في نفس وقت إخراج غاز الميثان مع وجود غاز الأكسجين
فيشكل اللهب وهذا بالطبع لإتصال الغرفة الثانية من معدته بجهازه التنفسي مباشرة ، وبالطبع أثناء نفث النار
يخرج الغاز من أنفه فتشتعل هي الأخرى وكأنه يطلق النار من أنفه وهو بالطبع أمر ممكن جداً لاتصال الأنف
بالفم عن طريق البلعوم وهو أمر تشريحي معروف ، ثم نأتي لجهازه العظمي إن الجهاز العظمي تشريحياً هو
طبق الأصل من الجهاز العظمي للديناصورات باختلاف وجود نتوئين على قمة رأسه وهما النتوئين اللامعين
الذين تبقيا منذ عهده الأول حينما كان كائناً مكرماً في جنة الرب وتلك النتوءات لها القدرة على عكس أشعة
الشمس وتجميعها حتى أن الحرارة المنبعثة عن تجميع تلك الأشعة كفيلة بإحداث الحرائق ، وهي السبب في
تسميته بـالدراجون في اللغة الإغريقية القديمة والتي تعني ذلك الذي يومض ولأن أصحاب ّ السر يعلمون من
هو ذلك المخلوق منذ البداية فقد أعطوه لقب "الدراكون" أي الذي يرى كل شيء ، وهي كلمة إغريقية ايضاً
ولكن كان هذا المعنى الباطن لتلك الكلمة وكانوا يقصدون بها أنه صاحب العالم العلوي والسفلي وأنه رأى عالم
ّ الرب وعالم مناهض ّ الرب عزازيل ، لذا فإن من الآثار الدالة على كل ما ذكرته من أوصاف قد تكون
ّ "خيالية" ولا يصدقها أغلب الناس ، فأود أن اقول لهم تتبعوا الحفيد حتى ترو كيف كان الجد .الثعبان من جنس التنين
إن الحفيد هو الثعبان له لغة خاصة وما زالت إلى اليوم
يعلمها كل أصحاب ّ السر مثلما كان للحيّة الأولى "التنين
فيما بعد" لغة ومنطقاً تتحدث به مع حواء ، بعض أنواعه
ينفث ُ السم من على بعد أمتار مثلما هو التنين ينفث النار
وبعض أنواع الثعابين إلى اليوم ذات نتوئين على قمة
رأسها أشبه بالقرنين مثل الأفعى العربية التي تعيش
بالصحاري مثلها مثل ّجدها الأعظم التنين صاحب نتوئين
، وإلى اليوم بعض الأنواع من الثعابين بها جرس في
نهاية ذيلها مثلما كان التنين الأول به ُعقدة شوكية ذات
جلاجل في نهاية ذيله ، وهي شبيهة أيضاً بتلك العُقدة
التي كانت موجودة في أحد الديناصورات ُ المدعاة
اليوبلوسفالس الإدمونتونيا من جنس الأنكيلوصورس ، والتي كانت ذيلها أيضاً به تلك العُقدة الشوكية ، الثعبان
ّ لجدهم الحيّة الأولى التي أدخلت
هو النوع المفضل للتشكل على هيئته من قبل كائنات البُعد الآخر إحتراماً
سيدهم الأول عزازيل مرة أخرى للمملكة الضائعة والثعبان تشريحاً به بقايا لأرجل كانت موجودة في جهازه
العظمي ، فأين هي الآن ؟ مجرد ذكرى تشريحية في عظامه للتذكير ّ بجده الذي كان يملك الأرجل ، وإن
الثعبان له القدرة على القفز بين مسافات بعيدة تتراوح مابين 7 و 10 أمتار وهي قدرة ما زالت في جيناته
الوراثية على الرغم من إختفاء الأجنحة .
وأخيراً نقول أن الإسم التنين مشتق من بداية مسخه وإلقائه في البحر وصار على هيئة ّ التن أي السمكة المليئة
بالأشواك ، لذا فإن أسمه ووصفه مع ذكره في الكتب المقدسة كان كفيلاً بالتصديق به ، ولكن العقل لابد أن
يقتنع ، واقتناع العقل لا يتم إلا من المشاهدات العينية ومضاهاتها وهو ماتم ، فكل شيء له أصل ، وأصل
الأشياء في ذاتها ، ولكن أكثر الناس لا يقتنعون .