قصة مذبحة تكساس
فقصة الفيلم الشهير تحكي عن مجموعة من المراهقين تعطلت بهم سيارتهم في أحد الطرق, فقرروا اللجوء إلى أحد المنازل القريبة ليحصلوا على الدفء والأمان وعلى هاتف يعمل, لكنهم وعوضًا عن هذا كله عاشوا أبشع ساعات في حياتهم
وهم يقتلون ويمزقون واحدًا تلو الآخر من قبل عائلة مجنونة, ورجل ضخم يرتدي قناعًا من جلد آدمي ويحمل في يده منشارا كهربيا يصلح لتمزيق العظام!
القصة لا بأس بها لو أردت فيلم رعب معويا, ودرسا مهما للمراهقين الأمريكيين بألا يطرقوا باب الغرباء بحثًا عن العون, لكن أن يكون ما حدث حقيقيًا وفي عالم الواقع فهذا الذي لم يحتمله المشاهدون.. ولو كنت ممن شاهدوا الفيلم الرهيب لأدركت أنهم لا يبالغون في هلعهم هذا..لكننا اليوم وإذ نكشف الحقيقية, سنعرف سويًا أن الحقيقة أسوأ من كل هذا..بكثير..
رجل واحد..
مذبحة تكساس بأهوالها الرهيبة.. فيلم سايكو الخالد في تاريخ السينما.. السفاح الطليق في فيلم صمت الحملان.. كل هؤلاء استوحوا من رجل واحد اسمه "إيد جين"..
من "إيد جين" هذا؟؟ لنعرف أولاً ما الذي فعله لندرك أهمية أن نتعرف عليه أكثر..
إنه يوم السابع عشر من نوفمبر لعام 1957 في مقاطعة ويسكونسون ورجال الشرطة المحليون يدخلون تلك المزرعة البالية التي ورثها "إيد جين" من والدته, بحثًا عنه فهو أحد المشتبه فيهم في قضية اختفاء "بيرنيس واردن" العجوز, صاحبة متجر الأجهزة التي اختفت فجأة وسرق متجرها, وتطوع بعض الشهود ليعلنوا أن "إيد جين" هو آخر من زار متجرها, وهكذا صار لزامًا على رجال الشرطة أن يمرّوا عليه ليستجوبوه..
لكن هذه المزرعة البالية لم تكن مشجعة على الإطلاق..
كل هذه الفوضى وكل هذه القاذورات, بدرجة لم يتخيل أحد أن يراها في المزرعة حين كانت السيدة "أوجوستا" أم "إيد" لا تزال حية.. وعلى الرغم من هذا كله مضى رجال الشرطة في طريقهم متجهين إلى المنزل في وسط المزرعة, والذي لم يقل في شكله من الخارج عن المزرعة في شيء.. حتى المنازل المهجورة لا تبلغ هذه الدرجة من السوء!
كانت الرائحة النفاذة هي أول ما لاحظه رجال الشرطة.. رائحة هي مزيج من العطن والقذارة والعفن و.. والموت..
الشيء الثاني الذي لاحظوه كان جثة ذلك الغزال الممزق والمسلوخ والمعلقة في وضع عكسي في سقف المطبخ, وكانت حالة الجثة تدل على أنها مرّ عليها وقت طويل وهي معلقة في هذا الوضع.. وكانت حالة الجثة هي التي جعلتهم يخطئون في التعرف عليها..
لقد كانت جثة "بيرنيس واردن"!.. وكانت بدون رأس!!
ببطء استوعب رجال الشرطة في هذا اليوم حقيقة أنهم يقفون أمام جثة آدمية, ثم تحول بحثهم عن "إيد جين" في المنزل إلى جولة في متحف للرعب, فكل شيء في هذا المنزل كان يحمل بصمة الموت وبشاعته..
سلة المهملات... غطاء المقاعد.. غطاء الأباجورات, كل هذا كان كان مصنوعًا من جلد آدمي.. وعاء الطعام كان جزءا من جمجة بشرية.. حزام مصنوع من مزيج من جلد آدمي وألياف عضلة قلب بشري, المقعد الهزاز مصنوع بعظام آدمية, وأخيرًا زي كامل تم حياكته من الجلد الآدمي..!
وبقيادة المأمور "آرثر شيلي" بدأ البحث عن "إيد جين" ومحاولة حصر عدد النساء اللاتي استخدمت جثثهن لتنفيذ متحف الرعب هذا.. وبين أهل هذه المدينة الصغيرة انتشر اسم جديد لهذه المزرعة البالية, التي حين بدءوا في حفرها عثروا على أهوال لا تصدق..
اسم (مزرعة الموت)..
نحن الآن نعرف جزءا مما فعله "إيد جين", ونحن الآن نملك المبرر الكافي لنعود إلى نقطة البداية لهذه القصة الرهيبة.. إلى كيفية تحول طفل صغير بريء إلى أشهر قاتل متسلسل في التاريخ الأمريكي....
"إيد جين".. المسكين!
عام 1906 ليكون الطفل الثاني لكل من "أوجوستا" و"جورج جين" والأخ الأصغر لـ"هنري" الذي يكبره بسبعة أعوام.. أسرة صغيرة فقيرة مكوّنة من أم متشددة دينيًا إلى درجة الهوس, وأب سكير لا يقدر حتى على إعالة أسرته, وطفلين يحتملان قسوة أمهما غير المبررة ليل نهار..
لقد كانت الأم مختلة تمامًا وكانت متعصبة دينيًا، تقضي الليالي وهي تحكي لطفليها كيف أنهما سيقعان في هوة الجحيم إن لم يطيعاها وإن اقتربا من النساء حين يكبران, وكانت تردد لهما أن مدينتهما مدينة خطاة سيلقون مصيرهم في الآخرة بأن يحترقوا إلى الأبد في النار الهائلة..
هذه التفاصيل كانت تتردد على مسامعيهما منذ طفولتهما, والأب لم يكن ليتدخل فهو لا يفيق من سكره إلا نادرًا, كما أن "أوجوستا" هي التي كانت تنفق على المنزل بعملها في المزرعة وبيع المحاصيل... وهكذا أصبحنا أمام نموذج أمريكي شهير, رأيناه فيما بعد في قصص القتلة المتسلسلين على مرّ السنوات, بل إن نموذج الأم المتعصبة دينيًا والتي تقود أطفالها للجنون ظهر فيما بعد في عدة أفلام وروايات, كرواية "Carrie" لـ"ستيفن كينج" وإن كانت الأم في روايته قد دفعت الثمن غاليًا, إلا أننا وعلى أرض الواقع, وفي حالة "أوجوستا" فلم يكن هناك من يخلص طفليها منها سوى الموت ذاته.. أو المدرسة!
نعم.. لقد كان لزامًا عليها أن تلحق طفليها بالمدرسة, وهكذا خرج الطفلان من المزرعة المعزولة عن العالم, إلى حيث يتعلمون ويمرحون ويكونون الصداقات, وهي عادات اكتسبها "هنري" الأخ الأكبر بسرعة, في حين حافظ "إيد" على انعزاله الدائم, وكان خجولاً ذلك الخجل الذي كان يجعله فريسة سهلة لأقرانه في المدرسة..
تقارير مدرسة "إيد" أعلنت وبوضوح أن قدراته العقلية محدودة للغاية -بعد أن دمرت أمه قدرته على التفكير- وأن المزية الوحيدة التي يتمتع بها هي ميله لقراءة مجلات الأطفال وقصص المغامرات..
وهكذا نشأ "إيد" المسكين معزولاً وحيدًا مضطهدًا من الجميع, لا صديق له سوى أمه التي كانت لا ترق معه إلا نادرًا, وفي عام 1940 توفي الأب ليضطر "هنري" و"إيد" إلى مساعدة أمهما بأن يعملا في الحرف اليدوية البسيطة, وإن لم يكتسب "إيد" في هذه الفترة أي مهارة سوى إثارة تعاطف أهل المدينة الذين كانوا يشفقون عليه من خجله وعقله المحدود, فأخذوا يستعينون به كجليس للأطفال!
كان "هنري" هو من لاحظ أن علاقة "إيد" المرضية بأمه هي التي تعطل نموه العقلي, وفي أكثر من مرة كان يواجه أمه بهذه الحقيقة ويلومها عليها أمام عيني "إيد" الذي أصيب بصدمة شديدة مما يسمعه.. صدمة جعلته يمقت أخاه كأنه الطاعون..
فأمه كانت بالنسبة له إله مقدس لا يصح المساس به ولا الاعتراض على تصرفاته, وإن كان "هنري" لا يدرك هذا فلا يوجد أمام "إيد" سوى حل وحيد..
وهكذا وفي السادس عشر من مايو لعام 1944 لقى "هنري" حتفه في حادث شديد الغرابة.. كان مع "إيد" يكافحان النيران التي اندلعت فجأة عند أطراف المزرعة الضخمة, ليعود "إيد" بعد عدة ساعات بمفرده وتعبير البلاهة الملتصق بوجهه لا يتغير وأمه تسأله بإصرار "أين ذهب هنري؟!!".. لكنه لم يكن يجيب..
فقط حين جاءت الشرطة لتبحث عنه في المزرعة الشاسعة, دلّهم "إيد" على مكان جثته بدقة ليجدوه هناك دون أن تمسس النيران جثته وكدمة غريبة على رأسه.. رسالة واضحة, لكن الاحتمال الوحيد هو أن يكون "إيد" المسكين هو الفاعل, وهو احتمال لم يكن قابلاً حتى للنقاش..
مستحيل أن يفعلها "إيد" الخجول المضطهد.. مستحيل.. ثم إنه أخوه!
هكذا افترض الجميع أن "هنري" اختنق من الدخان, وأغلقت القضية عند هذا الحد, لتعود الحياة كما كانت, وإن كان السؤال الذي يلّح عليّ الآن هو..
هل عرفت الأم حقيقة ما حدث لـ"هنري"؟!.. لن يعرف أحد!
ففي التاسع والعشرين من ديسمبر 1945 وقبل احتفالات العام الجديد بيومين, ماتت الأم أخيرًا, لتترك "إيد" وحيدًا في هذه الدنيا..
ما لم يعرفه أحد حينها أن هذه الصدمة ستكون أعمق مما يتخيلون على نفس "إيد" الذي انهار عالمه الخاص فجأة, ليجد نفسه وحيدًا في مزرعة شاسعة, لا تحيطه سوى تعلميات أمه وكوابيسه الخاصة وكم لا ينتهي من الذكريات ومن الأسرار..
في غرفة أمه -التي احتلها بعد وفاتها- وفي ذلك المنزل الذي بات مهجورًا إلا منه, بدأت مراحل التحوّل ببطء صامت..
التحول إلى كابوس لن ينساه سكان هذه المدينة الصغيرة بسهولة..
أبدًا..