يتناثر الثرى ملئ الأرض وعلى مد البصر حاوياً أسراراً لايعلمها جن ولا بشر ، قد تتوه الحقيقة برغم
وقوعها
في أفق النظر وتؤول أسطورة يحفها الخطر ، فلا خطر أراه إلا الخوف من معرفة الحقيقة "قل سيروا في
الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق" إنها الأمر المباشر من خالق الأكوان لنا نحن بنو الإنسان ألا نخشى ظلام
الأرض ولا ظلام العقول .
لأن الحق دائماً بالغ أمره لكل من تملكه الفضول ، فضول المعرفة والبحث
عن المجهول ، إن مانتحدث عليه
اليوم كان سؤالاً أصيلاً يدور في ُخلد كل عاقل باحث عن الحقيقة لم تلهه الحياة بزخرفها أو بنعيمها ، سؤال قد
يظنه البعض عجيباً ولكننا شئنا أم أبينا لابد أن نرضخ لصوت العقل ونبحث عن الحقيقة ، والإجابة على
السؤال الشائك هل كانت هناك مخلوقات عاقلة قبل الإنسان ؟ ولماذا نقول شائك ؟ لأن العقل يعني التكليف ،
والتكليف يعني الحساب ، والحساب يعني إما نعيم وإما جحيم ....ولكن هل كل ما سبق خلقه وعاش على الأرض قبل الأنسان يجري عليه مايجري علينا ؟ في الغالب الأعم إنها
لم تكن مكلفة لأن الميراث الديني يخبرنا أن هناك ثلاث مخلوقات عاقلة الملائكة والجن والإنس ، اثنين منهم
فقط هم من تم عليهم التكليف الجن والإنس ، إذاً فلماذا تم ذكر الملائكة ولم يُذكر البقية .
لقد ذُكر الملائكة لإنها كانت أول المخلوقات العاقلة التي كان عقلها مجرد من أي شيء سوى الطاعة للرب
الأعلى والتي مازالت إلى اليوم تحيا طائعة Ϳ ، أما البقية الباقية فلم يتم ذكرها إلا ضمناً في كتاب الله إذ قال
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك إن تلك الآية قد تم البحث فيها والتفسير لها وكانت
في الغالب الأعم تتحدث عن مخلوق الجن وأنهم عصوا الله وتم ارسال الملائكة إليهم وإلى غير ذلك من
التفسير المعهود.
ولكن ماشد انتباهي ومالفت نظري هو تفسير ابن كثير لهذه الآية وذكر إسم اثنين من المخلوقات لم يتم التركيز
ُهناك ما يُدعى البن
عليهم أو حتى الرغبة في معرفتهم والبحث عن كننهم ، إنهم البن والحن فهل كان حقاً
والحن ؟ هل كان حقاً هناك من يحيا على الأرض بهيئة أقرب للبشر ونحن لا نعلم عنهم شيئاً ؟
نعم لقد كانت هناك مخلوقات قبل الإنسان تدب على سطح الأرض تواردتها ألسنة الأمم بعربيها وأعجميها في
متون كتب الذكر الأول وما بعد الذكر الأول ، في أمهات صفحات الزمن الغابر بكل تفاصيلها ، وبكل ما كان
لنقف الآن على أرض استواء ونحدد
يحدث بها ومعها وكيف اختفت من وجه البسيطة وأين ذهبت ؟ إذاً
الأفكار ولنعلم أولاً ماهي المخلوقات العاقلة الغير مكلفة التي خلقها الله غير الملائكة وكيف كانت الأرض ما
قبل آدم.
إنها مخلوقات ما قبل التاريخ وقبل وجود الإنسان والجان على الأرض : ّ البن ، ّ الحن ، ّ الخن ، ّ المن ، ّ الدن ،
والنس
البـن
ولنبدأ بـ"البن" بعد ان بردت الأرض واستقرت لحمتها وبدات المخلوقات تنتشر على وجه الأرض تم خلق أول
كيان عاقل غيرمكلف ، ولكن لنتتبع الاحداث اذا ما علمنا ان الأرض قد خلقت منذ 5 مليارات عام وانها بردت
منذ 7,4 مليارات عام لتكون مهيئة لاول فرصة معيشية في الزمن الأول المسمى العصر البروتوزوي وهوالزمن الذي تم فيه أول خلق للخلايا الحية على وجه الارض
منذ 5,2 مليار سنة ، وإذا ماتتبعنا الاثار المسكوت عنها والتي
تقودنا الى التأكد من وجود مثالي لمخلوقات عاقلة تم كتمان
الامر عنها مثل كرات المعدن التي تم انتشالها من جنوب افريقيا
والتي قدر لها بانها منذ 2مليار عام ، فهل كان هناك مخلوقات
عاقلة قبل الانسان تستطيع ان تفعل ذلك ؟ بالطبع كان هناك ،
كان أول مخلوق عاقل على وجه الارض يدعى البن "بكسر
الباء" خلق بهيئة أقرب للمسوخ منها للبشر ، كان بدائي التكوين
من أصل عضوي متشكل حيث لايتكاثر جنسياً اذا كان تكاثره
ميتوزيا من اصل الارض ، حيث كان يتكاثر بقطع اجزاء منه
او بموته ، نعم بموته اذ كانت خلاياه المتساقطه منه اذا ما
لامست الارض كانت تتشكل منها مخلوقات جديدة لها نفس
الهيئة والاسلوب ، وكذلك اثناء موته اذ كانت تندمج اعضاؤه
الغضة الطرية بتراب الارض ليخرج منها امثالا مشابهة له كما
هو مبين في الصورة لمخلوق البن وطريقة تخليقه ومراحل
تكوينه من طين الأرض .
أما كيفية خلقه يبدأ بما يشبه الدودة العظيمة لتنمو وتسرع في
النمو ليصبح ما يشبه الكائن النصف قائم ثم يتحول لما يشبه القرد المنتصب إلى حد ما ، ثم يهرم ويموت
وتعتلج اجزاؤه في الأرض ويتحول إلى طين لازب ثم يخرج منه آخرون وهكذا ...
وكلما تساقط منه جزء تشكل على هيئة مماثلة له ، ليعيد دورة حياته من جديد بطريقة مماثلة ، كانت تلك أول
كيانات الأرض العاقلة التي سكت عنها الزمان ودلت عليها كتب الاقدمين واثار المحدثين ، ولكن يتبادر إلى
ذهننا سؤال أصيل كيف تم اختفاؤهم من الوجود ؟ إن ماحدث لهم من اندثار كان بسبب ازدياد عمر الأرض
وازدياد تنوعاتها المخلوقاتية بعد تكون الطحالب ثم المفصليات ثم الأسماك ، وكانت رقعة الماء قد ازدادت
على الأرض في العصر الباليوزي في مرحلة زمنية تسمى "الكامبري" و بدأت تلك المخلوقات وهي البن
تتشكل إلى أصناف جديدة اعتماداً على تنوع التربة واختلاف مكونات التخليق إذ صارت الغابات شاسعة
والمياه وفيرة على بداية العصر الميسوزي ، مؤذنة ببداية نهاية مخلوقات البن إذ تحولت إلى مخلوقات جديدة
تدعى الحن.الحـن
كانت "الحن" تجمع في تكوينها مابين الطين اللازب ومابين
لحاء الأشجار حيث كانت تنمو من أصل قاع المناطق المائية
المحملة بالطحالب وأحياناً مختلطة بالنباتات الوعائية البرية
والأحراش السرخسية التي ظهرت في العصر الباليوزي ايضاً
في فترات "الكاربونيفيروس" بشقيها وكذلك فترة "الديفونيون"
لتكون لنا مخلوقاً أعظم وأشد وطأة من تلك المدعوة البن وكان
للحن قدرة على التكاثر بمجرد وضعها رجلها في الأرض
لتزداد ازدياداً رهيباً وتنمو نموا شاسعاً وكانت لها المقدرة على
قطع المسافات الشاسعة في زمن قصير وكلما لامست أرجلها
الماء إذ بها يتفرع جذعها وينمو جذرها أكبر وأكبر لتكون
مخلوقات مثلها أشد وأشد حتى ضجت الأرض وصارت تلك
المخلوقات عبئاً عليها إذ كانت تقوم بقطع تلك الأشجار لتحل
هي محلها وأخذت غطائها اللحائي وتثبت جذورها بالأرض
ممتصة كل معدن فيها ليقوى جذعها وتصير اكثر صلابة
وكأنها تخلق لانفسها عظاماً تسير بها بدلاً من اللأصل الخشبي
اللحائي التي تسير به ، وبهذا صارت تلك المخلوقات متفوقة
على البن في كيانها الخشبي الذي تمتلكه بخلاف الكيان الطيني
المشبع بمعادن الأرض وهذا الكيان الطيني قد اخذته سابقاً من البن ، وفي تلك الآونة اشتد بطش الحن بالبن
وصاروا يتغذون عليهم ويأخذون كيانهم الطيني الغض البسيط ليزدادوا عدداً وبطشاً بكل المخلوقات المخالفة
لهم حتى قارب أعداد البن على الاختفاء والاندثار ، وصارت الحن هي من لها الغلبة والقوة.
ولكن هل انتهت فصول الخلق عند ذلك ؟ لا بالطبع ، إذاً لنراجع التسلسل الخلقي لما حدث في عجالة أولاً ،
حيث تم خلق البن من طين لازب به ماء عذب وليس مالح وكان يتكاثر تكاثراً ميتوزيا غير جنسي ثانياً اثناء
انقساماته المتعددة اختلطت ببيئة الماء المالح الذي في قاع البحار والمحيطات ليشكل مخلوقات الحن أغارت
مخلوقات "الحن" على مخلوقات "البن" أثناء تخليقها وصارت تتخذ من كياناتها وعاءاً للتشكل لتكون لنا
مخلوقاً جديداً يُدعى الخن .لخـن
خلقت "الخن" وصارت تتغذى على المخلوقات البحرية من
الأسماك والأرضية كالحشرات ، أي أنها أصبحت تحصل على
الغذاء البروتيني ليقوي هيئتها ويعضد من بنيتها ، فصار
مخلوقاً أقوى من الاثنين "البن والحن" بمراحل حتى صارت
أجزائها تحتوي على مادة البروتين وهي التي كونت لها ما
يشبه الغلاف الحيواني الأول ، إذ اجتمعت في أصل تكوينها
ثلاث مكونات الطين واللحاء والبروتين والتي استمدها من
الكائنات العضوية الحية بعد افتراس الحن للمخلوقات الأخرى
في العصر الباليوزي وبداية الميسوزي ، ثم تصارعت تلك
المخلوقات مع الحن لتنهيها عن بكرة أبيها وثبتت الخن اقدامها
على ما تبقى من المخلوقات الضعيفة المسماة بالبن ، لأن الحن
والبن لم يكونوا قد امتلكوا الدماء حتى تسفك ، اذا فكيف يفسر
الأمر ؟ فتفسير ذلك يعود على أصل النشئة ، فماذا يعني هذا ؟
إن أصل نشئة تلك المخلوقات اللاحقة والتي كانت تحتوي على
الدماء كان منشؤها هو الحن والبن ، فالخن كانت البدايات
الاولى للمخلوقات التي تحتوي على الدماء وكانت هيئاتها
متغيرة ومتباينه حتى أن منها ما كان اقرب للزواحف الضخمة
ولكن بعقول غير مكلفة لها رغبة في التعايش والتكاثر مثلها مثل الثدييات التي ظهرت في عصر مقارب لها
في نهاية العصر الباليوزي في الفترة البرميانية ثم نأتي للفترة الترياسية وبداية خلق الدايناصورات قبل 240
مليون عام ، إذ لم تستطع مخلوقات الخن التعايش معها فقامت الدايناصورات بإنهائها والقضاء عليها تماماً
فهي بالنسبة لها اضعف بكثير ، وبهذا تكون مخلوقات البن هي التي ظلت وحيدة على الأرض فترة من الزمان
بعد اندثار الخن ، في تلك الآونه صارت مخلوقات البن تحيا مستترة تأوي إلى الكهوف والمغارات وتتعايش
على تربتها الرطبة العفنة المليئة بالأصل الميكروبي الحيوي ، والكثير من المخلوقات العضوية الدقيقة لتكون
لنا مخلوقا جديداً يُدعى المن.المـن
كانت "المن" مخلوقاً أضعف من سابقيه الخن والحن ولكنه
كان يمتلك من المقومات التي تمكنه أن يتعايش في ظلمة
الأماكن التي يحيا بها ، وكان أكثر ضخامة من البن بمراحل
وله من الأعضاء الخارجية ما تتيح له سهولة التحرك في
الظلام الدامس ، وأيضا كان لا يمتلك الأعين التي لم تكن ذات
أهمية بالمرة ، إذ أصبح متطوراً بالدرجة التي يستطيع بها
التعايش في بيئته الجديدة المظلمة
كان للمن مجسات متحركة تظهر كما هو الأمر في الصورة في
وجهه يتحسس بها طريق الخروج والدخول والتحرك وكانت
طريقة تكاثره مختلفة بعض الشيء عن المخلوقات التي سبقته ،
إذ كان يستطيع أن يتكاثر بالإنقسام الميتوزي والتكاثر عن
طريق التزاوج مع مخلوقات أخرى عن طريق التلقيح الخارجي
وهذا سبب تنوعه فيما بعد ولهذا ظل يجوب الأرض وتتفرع
فيما بعد ، ولكن ما
منه أنواع اخرى كثيرة سنتحدث عنها لاحقاً
يهمنا أن تلك المخلوقات بصورتها الموضحة قد انتهت واختفت
، إذ تطورت لأنواع أخرى ما زالت تحيا في عالمنا اليوم تحت
مسميات عديدة وصارت يعدونها من الأساطير أو أوهاماً
وخرافات تحيا في ذاكرة البشر ، بالرغم من أنها حقيقة واقعة ، ولنذكر على سبيل المثال "الرجل العثة" اذ أنه
فرع متطور من هذا المخلوق الأولي ُ المسمى "المن" وسنتحدث عنه فيما بعد ، ولكن بعد نهاية العصر
الميسوزي وبداية العصر السينوزي وتحديداً في الفترة الآيوسينية وهي فترة ظهور الثدييات بأنواعها ، كانت
مخلوقات المن قد جائت بمخلوق منحدر منها مباشرة وهو الدن .الـدن
أصبحت "الدن" بمثابة مخلوق انتقالي بين الحيوانات
الثديية التي تمشي على أربع وبين المخلوقات الروحية
الأولى التي كانت لها عقل ولكن غير مكلف ، وهذه
المخلوقات ايضاً تفرعت لعدة مخلوقات أخرى في البحر
والجو والأرض ، ولكن لم يعد لها وجود في ذاكرة
الإنسان إلا من خلال الأرواحية العُليا التي لا يملكها إلا
من يستطيع استحضار أرواحها أو التأثير عليها للظهور
وقت الأخطار المحدقة بمكان ما ، إذ أن الدن والمن
وتفرعاتهما ، هي مخلوقات نذيرية تبعث الرعب وقت
ظهورها ولكنها غير مؤذية ، ونستخلص من هذا أن البن
ومعناه "الكائن المقيم في مكانه أي الثقيل الكائن من حيث
نشأ أي أنه من طين ويخرج من طينة موته" كان الخلق الأول العاقل الذي نما ونشأ من طين وملك روح
مازالت موجودة وبقوة لا يستطيع استنطاقها إلا أصحاب العلم الأول فهي الروح الأولى الأكثر رسوخاً والتي
لا يخلو تعزيم حقيقي بدونها فهي روح الأرض العاقلة في الزمن الغابر والتي منها نشأت كل الأصناف
والأنواع .
أما الحن وأصل تسميتهم "أنهم المخلوقات المجنونة التي أرادت إنهاء أصل نشأتها وتدمير جذورها الأولى في
الحياة وهم البن بدون وعي منهم" فقد أبيدوا عن بكرة أبيهم ولم تبقى لهم باقية ، والخن أصل تسميتهم أنهم
"كالسفينة الفارغة إذ أنهم مخلوقات فارغة كانت تتخذ من كل المحيطين بها سبباً لحياتها" وهم أول المخلوقات
التي فسدت بالأرض وقتلت الحن والبن حتى دارت عليها الدائرة من المخلوقات الأرضية الضخمة التي أتت
عليها ولم تبقيها على وجه البسيطة.
أما المن وهو الحلقة الإنتقالية التي تحدثنا عنها لذلك اتفقوا على قولة المن "بكسر الميم" إذ أنه مخلوق متخلق
من البن مباشرة ولكن بأسلوب متطور ليس إلا ، والدن "أصل تسميتها أنها كائنات شديدة الازعاج في
تحركاتها وكانت تفرعاتها الطائرة والزاحفة تثير ضجيجاً لا يطاق" وقد اختفوا ولكنهم يحيون بيننا في البُعد
الغير مرئي منا ، لإنهم قد تفرعوا لأنواع عدة تؤثر فينا ونحن لا نعلم ونتأثر بهم دون أن يشعروا .أخيراً فأن النس هو كل الأنواع الأولى التي كتب عنها علماء الإحاثة والتي قالوا عنها أنها أجداد الإنسان
وأخيراً فأن النس هو كل الأنواع الأولى التي كتب عنها علماء الإحاثة والتي قالوا عنها أنها أجداد الإنسان
تماماً
الحالي ، فالنس هو التفرعات الأولى من الإنسان وقد خلق خلقاً بعيداً كل البعد عن سابقيه ، خلقاً منفصلاً
وله عدة تطورات ولكن في خلال خلق النس وتنوع أصنافه كان قد خلق الجن وتنوعت أصنافه هو الآخر ،
والجن إسم صفة وليس إسم مخلوق بعينه ، ولكل منهم نوع وإسم سوف نتعرض لهم فيما بعد.
ولنا أن نعرف أن الأرض مخزن الأسرار وهي كأنها تريد من كل منا أن نسبر فيها الأغوار لنعرف أصل كل
شيء وكيف كانت ، ولماذا هي ، وإلى أين تؤول بنا ، فكل ما نراه هناك شيء وراءه ، وهناك أصل واحد كان
سبب كل شيء فوجب علينا الذهاب له والخوض وراءه في عالمه حتى ولو كانت العواقب وخيمة والنتائج غير
رحيمة فلولا ذلك ما كان الله ليقول : قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ........ .