•  الشاعر نزارقباني
  •  
 الكاتب يوسف القعيد
  •  الدولة الأموية
  •  الخلافة الراشدة

طائر النعوشة

كلّنا عندما نسترجع ذكريات الطفولة لا بد أن نعرج على ذلك الجزء من الذاكرة الذي يحتفظ بسهراتنا
الطويلة متحلقين حول ّ الجد أو ّ الجدة وهم ّ يقصون علينا الأساطير والخرافات القديمة التي تتوارثها الحضارات أباً عن ّجد ، من منّا لا يملك ذالك الجزء من الذاكرة ؟ ومثل كل الأطفال ّ قصت علينا ّجدتي قصصاً كثيرة من أهمها ّ قصة "النعوشة" ولا أظن أن طفلاً واحداً على كامل تراب الجمهورية التونسية لا يعرف هذه ّ
القصة ولا يستحضر وجه ذلك الطائر الكريه الذي حذرته منه ّجدته بقولها : "لا تخرج وحيداً بعد الغروب ، ستأتيك النعوشة و تقتلك ". من هي النعوشة ؟ تقول الأسطورة أنه في زمن مضى كانت هناك امرأة تدعى "سالمة" وكان لها طفل وحيد أنجبته بعد سنين ّ تعد المؤونة طويلة من الحرمان من نعمة الأمومة ، فكان أنيسها وكل أملها في الحياة ، كانت "سالمة" يوماً لفصل الشتاء القادم ، وهي عادة قديمة لازالت بعض العائلات التونسية اليوم محافظة عليها ، حيث ّ يجهزون ما يلزم لسنة كاملة من "الكسكسي ، البرغل ، ّ المحمص" أغلبها مؤن ّ تحضر من القمح والشعير ، إحتاجت"سالمة" إلى غربال إضافي لتكمل عملها فأرسلت إبنها إلى جارتها لتستعير غربال ، وأوصته ّ وشددت عليه بأن يسرع ولا يتأخر في العودة ، وفيما مضى كانت البيوت تقع على مسافات متباعدة تتخللها الحقول والمزارع ، وذهب الصبي إلى بيت الجارة البعيد وهناك وجد الأطفال يلعبون ، فمضى يلعب معهم ونسي ّ أمه والغربال ، وراح يلعب ويلعب لأن الصغير قد ّمل وحدته في بيته حيث لم يكن له إخوة يشاركونه اللعب. ولما حان وقت الغروب وانتبه ّ الطفل إلى الظلام الذي بدأ يسدل ستاره على الحقول والبيوت من حوله ، ذهب إلى الجارة وأخذ منها الغربال وذهب عائداً إلى منزله حيث كانت ّ أمه هناك تنتظره وقد أخذ منها القلق عليه والغضب منه كل مأخذ ، وما إن لمحته قادماً حتى هرولت نحوه ّ وبكل الغضب في صدرها وارتمت عليه لتبرحه ضرباً مؤلماً لم ّ يتحمله جسده الضئيل ولا سنوات عمره القليلة ففارق الحياة من فوره ، ّولما انتبهت الأم إلى أن جسد الصغير قد خمد ولم يعد يقاوم ، بدأت تقلّبه وهي تبكي وتصرخ ولكنّها فوجئت بأنه قد مات من ضربة قوية منها أو من ّشدة ّ الضرب الذي تلقّاه منها ، و انتبهت إلى أنها قد قتلت طفلها الذي كانت تنتظره لسنين طويلة ، لم يتقّبل عقلها حقيقة ما حدث ومن فورها ُم ِس َخت و برز لها جناحان وصاحت بأعلى صوتها "سأتبع الذّكر إلى أن يصبح راعياً للبقر ، وسأتبع البنيّة إلى أن تصبح صبيّة" أي أنها ستلاحق الأطفال إلى أن يشبّوا ، وطارت عالياً في السماء ، وعلى الرغم من غرابة ما جرى لها بعد أن قامت بقتل إبنها إلا أن كل من يسرد ّ قصتها يقول بأنها بعد أن كانت امرأة ُم ِسخت أو لُعنت وأصبحت طائراً شبيهاً بالبومة ّ ولكنها أصبحت أكبر حجماً من حجم البومة العادية وطويلة الجناحان والمنقار ، ولها صوت حاد ّ قوي "دليلاً" ّ ليتفطن الناس لها ، كانت ّجدتي تقول : إذا سمعتم صوتها ّرددوا بصوت عا ٍل "هاتي الغربال يا سالمة" و ستهرب فوراً. معتقدات عن النعوشةمن نصائح الكبار لكل ّأم جديدة جمع ملابس الرضيع المعلّقة على حبل الغسيل خارجاً قبل الغروب ، وعدم الخروج رفقة الرضيع ليلاً ّوألا تترك النوافذ مفتوحة خاصة في الغُرفة التي ينام فيها الطفل ، بعض العائلات في الأرياف يعلّقون غربالاً في المطابخ وفي وسط البيت لحماية أطفالهم من "النعوشة" حيث ّ أن الغربال يعمل كطارد لها لأنّه كان سبباً في قتلها لولدها ، و كما ّ وصتنا ّجدتني يوصي الكبار بأن ّ نردد حين سماع صوتها "هاتي الغربال يا سالمة" أو أن نُشهر في وجهها غربالاً ، فذلك ّ يذكرها بمن كانت سابقاً وماذا فعلت بولدها فتهرب ، ّ أما تفسير ذلك فيقال بأنها تبحث عن فرائسها ليلاً فتنجذب إلى رائحة الأطفال حتّى من خلال ملابسهم ُ المعلّقة على الحبل فتعرف بأن في ذلك المكان طفلاً وسوف تصل إليه إذا ما وجدت نافذة أو باباً مفتوحاً في غفلة من الأهل ، ومن ثم تقوم بإدخال منقارها الطويل في فتحة الأنف أو الأذن للطفل وتسحب منه الدماغ ، فأدمغة الأطفال هي وجبتها ّ المفضلة ، أو على الأقل تترك رائحة أو ريشاً على الملابس وحين يلبسها الطفل سوف يمرض ، الكبار ّ يسمون ذلك "هفية" فيقولون بأن الطفل "مهفي" ويعرفون ذلك إذا ما لاحظوا إسهالاً وتقيؤ عند الطفل وميل لون البشرة إلى اللون الأزرق الشاحب ، وهم يقومون بمعالجة هذا المرض بطريقة شعبية حيث تمارس بعض النساء الكبيرات في ّ السن هذا النوع من العلاج لهذا المرض عند الأطفال فيعمدن إلى الحجامة ثم يضعن بعض الخلطات التقليدية على جسم الطفل ّ مكونة من "حناء وزيت زيتون وماء الورد وماء الزهر" وبعض الأعشاب الأخرى ، والبعض يوصي لمن يتمكن من إمساكها بأن يدهن رأسها بزيت الزيتون ويأخذ منها عهداً بألاّ تطارد ّذريته أو تلحق بهم الأذى مدى الحياة . بين الواقع و الأسطورة في مرحلة الطفولة ُكنا ّ نصدق ما يُحكى لنا من قصص أغلبها كان القصد منها إخافتنا ّ للحد من شقاوتنا ومنعنا من الخروج وقت القيلولة أو الليل ، أو لإجبارنا على تنفيذ الأوامر أو النّوم ّ مبكراً ، ولكن عندما كبرنا بدأ أغلبنا ّ يفكر ويدرك أن تلك القصص كانت ّ مجرد أساطير وخرافات كقصص الغول وأبو رجل مسلوخة وغيرها من الأساطير الأخرى ، ّ أما ّ قصة "النعوشة" فقد شغلت تفكيري كثيراً ّلأن الروايات عنها كثيرةومتواترة ، والكثير من الأشخاص حتى يومنا هذا لديهم إدعاءات عن مشاهداتهم لها ، شخصياً لمحتها من بعيد وسمعت صوتها كثيراً وهذا جعلني أؤمن أنه لا يمكن أن تكون النعوشة ّ مجرد خرافة خاصة وقد روى لي العديد من معارفي قصصاً واقعية عنها ، تقول إحدى القريبات لي بأنه حين كان إبنها الأصغر رضيعاً تركته نائماً في غرفة نافذتها المفتوحة ، كان ذلك بعد الغروب وكان في وقت الصيف ، وصعدت إلى السطح لتجمع الغسيل وفجأة ّ متجهاً لمحت طائراً كبيراً فارداً جناحيه ينزل رويداً رويداً ناحية النافذة المفتوحة حيث ينام طفلها الرضيع ، وكان يطلق صوتاً أشبه بالنحيب ومن فورها نزلت ركضاً حتى ّ ، حيث كان ذلك منذ عدة سنوات كادت تقع في الدرج لتغلق النافذة ، و تقول أخرى أن قريباً لها أمسك بها يوماً ّ تمس أحد من ّذريته بأذى ، وقد عاهدته بأن فدهن ّمقدمة رأسها بزيت الزيتون وطلب منها أن تعاهده على ألاّ طأطأت برأسها ، هذه الروايات جعلتني أكثّف من البحث وأتقّصى أكثر عن حقيقتها ، فلم أجد أكثر من بعض الكلمات المتناثرة هنا وهناك ، حيث لم يسبق لأحد أن كتب عنها ، ولن ّ تجدوا أكثر مما وجدتغير ّ أن تعليق أحدهم راق لي وذلك على فيديو لطائر ّيدعي من وضعه أنّها "النعوشة" وكان يقول "البعض ّ أما ّ قصة أنّه كان امرأة لا أساس له من ّ الصحة ، وقد ثبت علمياً ّ أن هذا يقول أن هذا الطائر موجود فعلاً الطائر ّ يحب رائحة الأطفال لذا هي تبحث عن فريستها حتى في ملابس الأطفال ُ المعلّقة على الحبل خارجاً ، ّرية ، لذا فالحذر فتفرز رائحة أو تطلق ريشها ّمما يتسبّب في مرض الأطفال وهو ما يعبّر عنه بمرض الذّ واجب"في الختام إذا ّفكرنا بطريقة منطقية فإنّه من غير المقبول التصديق ّ بأن امرأة ُم ِسخت طائراً وأصبحت تقتص من الأطفال لأنّها قتلت طفلها ، ومع ذلك ما أكثر ّ المتجردات من إحساس الأمومة اللاتي قتلن أطفالهن بدماء باردة ، لكن هل ستُمسخ كل قاتلة لطفلها إلى طائر وت ّ قتص من سائر الأطفال ؟ لو كان كذلك فمن الأجدر أن ّ يتحول الطفل المقتول إلى شبح و يطارد ّ الأمهات ليقتص منهن ايضاً ، في رأيي الأرجح أن "النعوشة" هي حقاً اً أدمغة الأطفال وبعض إفرازاتها إذا ما علق بثياب ّ فضل حقّ نوع من الطيور ربّما من فصيلة البوم وهي تُفضل  أدمغة الأطفال وبعض إفرازاتها إذا ما علق بثياب الطفل ، ربّ ّ ما يسبب نوعاً من الحساسية أو المرض ، فهذا التفسير راق لي و قبله عقلي.

Blogroll

توفيق الحكيم
 احسان عبد القدوس
محمد حسانين هيكل
 اجاثا كريستي
توفيق الحكيم
 احسان عبد القدوس
محمد حسانين هيكل
 اجاثا كريستي
توفيق الحكيم
 احسان عبد القدوس
محمد حسانين هيكل
 اجاثا كريستي