•  الشاعر نزارقباني
  •  
 الكاتب يوسف القعيد
  •  الدولة الأموية
  •  الخلافة الراشدة

الخيميائي اللُغز : يعقوب بوهمه


👈لقد حضيت القرون الماضية على العديد من الشخصيات المتميزة أصحابالقدرات الخارقة والمواهب النادرة والفريدة من نوعها ، للأسف أتهم أصحاب هذه القدرات بالدجل والشعوذة وممارسة السحر وغيرها من التهم الأخرى ، حيث في القرن السابع عشر ولد يعقوب بوهمه الفيلسوف الالماني المتصوف ، الذي أثار ضجة كبيرة في تلك الفترة ، ولا يزال

هذا الرجل يثير الكثير من الجدل ، حيث ألهمت رؤاه العديد من العظماء ، فهو قد برع بعلوم الكيمياء والعلوم الكونية والباطنية ، ويتحدث باللغات القديمة ، فكيف كان كل ذلك ؟ خاصة اذا علمنا أنه لم يدرس بالمدارس أو الجامعات ولم يعلمه أحد ، حاربه رجال الدين وكانوا له بالمرصاد ، لكنه حقق نجاحاً باهراً على الرغم من تيار حياته المعاكس ، يعقوب بوهمه الذي خلّف وصفاً لتجربته الصوفية في كتابه "الفجر الطالع" والذي تأثر لكتاباته الفيلسوف الألماني هيغل وغيره من الفلاسفة ، لنتعرف على الخيميائي اللُغز يعقوب بوهمه ... حياتهولد يعقوب بوهمه في عام 1575 م في قرية قرب غزلتتز الألمانية وهو من أبوين فقيرين لم يستطيعا تثقيفه ولم تُتاح له فرصة أن يعرف الجامعة أو يتمرن في أي دير ، كان عليه لفترة طويلة من حياته أن يكسب عيشة بعرق جبينه بسبب فقره وفقر أسرته ، وبالرغم من ذلك فقد أصبح قبل موته بقليل شخصية هامة وانتشرت شهرته في كل أنحاء القارة الأوروبية بل والعالم ، يقول صديقه "فون براكنبرغ" الذي كتب سيرة حياة يعقوب أو جيكوب بوهمه في مقدمته : "أن بوهمه كان من الطراز الحالم في صباه وكان يغيب عن الوعي ويغفل حين كان يرعى الماشية" فذات يوم تسلق يعقوب يُدعى لاندسكرون ووجد فيه كهفاً يتألف سقف مدخله من أربعة صخور بوهمه تلاً حمراء وعثر خلف الأعشاب التي كانت تملأ المدخل على وعاء كبير ملئ بالنقود فأنطلق مذعوراً خارج الكهف وأخبر الصبية الآخرون بذلك وعاد معهم إلى قمة التل ، ولكن كان قد اختفى واختفت معه النقود ، ويعتبر براكنبرغ هذه الحادثة بشيراً بدخول بوهمه إلى كنز الحكمة المقدسة ، على الرغم من إتهامه من قبل البعض بأنه شديد الخيال في طفولته بصورة غير عادية وإن ذهنه ملئ بالخيالات عن العصابات والكنوز ولعله قد أخترع قصة الكهف وصدقها بعدما أعادها على مسامع الأولاد وسنذكر بعض من ذلك في الإنتقادات الموجه له من أعدائه في نفس هذا البحث . عمله في بيع الأحذية ولقائه الأول مع الشخص المجهولكان بوهمه نحيلاً لا يصلح للعمل في الحقول ، ولذلك فقد دربه والده على صناعة الأحذية ، فهو قد عمل في محل للأحذية لفترة من حياته ، وذات يوم في ليلة كان لوحده في المتجر ودخل عليه رجل غريب الهيئة غير معروف في بلدته كان يسأله عن أجود الأحذية لشراء زوج من الأحذية ، فقرر بوهمه أن لا يبيعه وكذلك قرر رفع سعر الحذاء بشكل لا معقول وهو يعلم في قرارة نفسه بأنه لا يحق له ذلك في غياب سيده ، ولكن الرجل المجهول لم يكن ليوقفه هذا السعر فاشترى الحذاء ، وعند خروجه توقف عند باب المتجر ونظر بنظرة حادة إلى يعقوب وقال بصوت عظيم ومهيب : " بوهمه ، تعال إلى الخارج " ُصعق بوهمه لمعرفه الغريب إسمه فلحق به إلى الخارج ، شعر بوهمه بنظرات الغريب الحادة تخترقه ، اقترب منه ّ وحدق مباشرة بعينيه وقال الغريب له : " جاكوب .. أنت صغير الآن .. ولكن سوف يأتي اليوم وتصبح فيه عظيماً وسوف تدهش العالم ، كن تقياً وخاف الله ّ وكرم كلمته في الكتاب ُ المقدس ، حينها سوف تجد الراحة والعزاء لأنك ستُعاني وستحصل على قدر كبير من المتاعب والفقر والإضطهاد ، على الرغم من ذلك لا تيأس لإن الله يحبك " . ثم ضغط على يد يعقوب وقدم له نظرة من نوع آخر وذهب بعيداً ، ترك هذا الحدث انطباعاً كبيراً على عقل بوهمه وأتبع نصيحة الغريب وقرأ الإنجيل وهو الكتاب الوحيد الذي كان ُمتاحاً لصانع الأحذية أن يقرأه ، وفي الأيام المقبلة ضاق صدر بوهمه ذرعاً لحماقة زملائه وسخافتهم وكان يعتبر أحاديثهم ووسائل تسليتهم من الأمور المضجرة والسخيفة التي تبعث على الكآبة ، بعد ذلك وجد رب العمل وزملائه أنه غير مبال إلى أحد أبداً ولا يبيع الزبائن الأحذية بشكل جيد وكان يتصرف بطريقة هادئه وحكيمة فطردوه قائلين " أنهم لا يريدون نبياً في المحل !! " وكان عمره آنذاك حوالي سبعة عشر عاماً فانطلق يعقوب بوهمه يجوب أنحاء البلاد ، وكان ذلك الوقت ، هو وقت شقاق وخلاف وشقاء بالنسبة للألمان ، كره أثناء تجواله الكنيسة وعاد إلى قريته وتزوج من "كاترينا كاتشمان" وأنجبت له أربعة أولاد .الوعاء السحري وحينما بلغ الخامسة والعشرين من عمره حصلت له أولى تجاربه العظيمة في الإدراك والمعرفة ، فقد رأى وعائاً معدنياً أسوداً "ويقال أبيض اللون" كأن سطحه اللامع يعكس أشعة الشمس ، وكان انعكاس الأشعة من ذلك الوعاء يُغرق بوهمه في ذهول من النشوة والعجب ، واستولى عليه إحساس غريب ، وفجأة أتسع هذا الوعاء وكأنه السماء ، أو كأنه طاقة كبيرة في جدار ولا تزال هذه الطاقة تتسع وتتسع حتى أصبح يرى من ورائها عالماً ساطعاً واضحاً جميلاً لم يره من قبل ، والأغرب من ذلك كان يستطيع وهو يحدق وينظر في الوعاء لساعات أن يرى الناس في المدينة يروحون ويجيئون ويتحدثون ، وكان يقابلهم ويقول لهم : أنت سافرت وأنت عدت ، وأنت تشاجرت ، وأنت سكرت وأنت سرقت وأنت خنت زوجتك ، وهكذا .. و كان الناس يؤكدون أن هذا الذي قاله كله صحيح ، بعد ذلك انتقل إلى حالة أخرى ، فهو عندما كان يمشي في الغابات كان يرى طيفاً لشيئاً شفافاً ، فالأشجار لا تحجب ما وراءها بل إنه كان يرى العُصارة في أغصان الأشجار ، وكان يرى طيفاً لشيئاً شفافاً ، فالأشجار لا تحجب ما وراءها بل إنه كان يرى العُصارة في أغصان الأشجار ، وكان يرى الطعام في بطون الناس ! ويرى ما في جيوبهم ، وبدأ يعقوب بوهمه يمرن ويدرب نفسه ليستعيد تلك الرؤيا ، ولم تنصرف أفكاره خلال السنوات العشر التي أعقبت عن مشكلة ذلك الإدراك ، وفي نهاية تلك السنوات العشر أي في عام 1610 حدثت رؤياه العظيمة الثابتة وكانت عبارة عن رؤيا مفاجئة تضم جميع رؤاه السابقة وتجمعها في رؤيا واحدة كاملة وقال : " وفتحت البوابة لي .. ورأيت وعرفت على مدى ربع ساعة أكثر من كل ما كنت سأتعلمه لو كنت درست في الجامعات عدد من السنين" ، ونتيجة لهذه الرؤيا شعر بدافع يدفعه الى الرسم وكتابة ذلك وتوضيحه توضيحاً منطقياً وبدأ يكتب في أوقات فراغه وصارت المخطوطة تتسع شيئا فشيئاً ، يقول بوهمه " لم يكتب الفن هذا ، بالإضافة إلى أنه لم يكن لدي الوقت الكافي لأواظب على الكتابة ، وإنما تم تنظيم كل شيء وفقاً لتوجيه الروح " كان بوهمه رجلاً غامضاً جداً بل أنه من المستحيل أحياناً فهم معانيه سواء كان ذلك فهماً عقلياً أو فطرياً " .محاربته من قبل رجال الدين كان لكتابه الأول الذي أسماه naissate  Laurore مشاكل كثيرة على الرغم من أنه لم يكن قد أنهاه بعد ، إذ بينما هو مستمر في تأليفه كانت مخطوطاته تتنقل بين أيدي أصدقائه ومعارفه وقد أستعار المخطوطة أحد النبلاء ويدعى "كارل فون اندرن" واستنسخ منها عدة نُسخ ، ووقعت أحدى هذه النُسخ بين يدي قسيس البلدة "غريغوريوس رختر" فغضب غضباً شديداً لأنه وجد أن بوهمه يُعبر عن آرائه وشروحه في الإنجيل وفي الله ويسوع دون أن يبدو عليه أنه مهتماً بأحد وأن كتاباته قد تغضب تلك الآراء أو بالجهة التي تتعارض معه وأن ما يقول مخالفاً لما يقوله الإنجيل والكتاب المقدس ، وأكثر ما أغضبه حسب قوله أن هذا "النكرة صاحب الاحذية" يُعلن أنه مستقل تماماً عن أي تقليد أو ُسلطة ، وفي صباح أحد الأيام كان بوهمه جالساً في الكنسية وأدهشه أن يسمع القسيس يتهجم عليه ويصب احتقاره عليه مباشرة ، فقد كانت موعظته تدور حول الأنبياء المزيفين ، ول ّما كان بوهمه طيباً هادئ الطبع فقد قابل القسيس بعد ذلك وعبّر له عن رغبته في إصلاح خطئه إذا كان مخطئاً ، لكن القسيس صرخ في وجهه قائلا " إمشي خلفي أيها الشيطان " وأمره بمغادرة المدينة في الحال ، وفي اليوم التالي اجتمع اعضاء مجلس المدينة واستدعوا بوهمه وأمروه بمغادرة المدينة ولم يسمحوا له برؤية أسرته وأقتادوه إلى خارج الأسوارووضعوه في السجن إلى أن تم إطلاق سراحه ، وفي الصباح التالي سمحوا له بالعودة ويقول أحد المعتقلين ، وهو "بارثولوماس سكولبس" : أن بوهمه بات في السجن ثم أطلقوا سراحه حينما إطلع أعضاء المجلس على المخطوطة ولم يجدو فيها شيئاً ثورياً ، ولكن القسيس رختر أشترط ألا يعود بوهمه إلا إذا تعهد بأن يكف عن الكتابة في المستقبل ، فوعدهم بذلك ، بعد ذلك اضطر بوهمه ألا يؤلف أو يكتب أو يرسم شيئاً لبضع من السنين ، وبفضل كتابه الأول طالبه الأصدقاء والمقربين منه بأن يرجع للكتابة وبدأ المثقفين والأطباء الباراسبليون والنبلاء المولعون بالكيمياء والقساوسة الأحرار يحثون بوهمه ويذهبون إليه من كل مكان ليبحثوا معه أمر رؤاه وأنه أرتكب خطيئة برفضه استخدام مواهبه العالية والإنصياع لأمر القسيس ُ المتشدد ، وبعد خمسة أعوام من الإنقطاع قرر بوهمه أن يعود للتأليف والكتابة والرسم ، فبدأ يؤلف الكتاب تلو الأخر كأنه آله متحركة بكل احترافية ويضع بها المعلومات الغريبة والجديدة ولقد حيّر ذلك الإدراك والمخزون الثقافي والمعرفي الجديد المثقفين واكتشفوا فيه مواهب عديدة أكثر من التي اكتشفوها من قبل في الخيميائي العجيب يعقوب بوهمه .السنوات الأخيرة من حياته ووفاته كتب بوهمه لمدة ست سنوات وكانت تلك الفترة حافلة بالراحة والهدوء حتى أقدم أحد أصدقائه في عام 1618 على جمع بعض مؤلفاته في ُمجلد واحد وأسماه "الطريق إلى المسيح" على الرغم أنه لم يكن ذلك بأذن من بوهمه ومع ذلك حقق الكتاب نجاحاً كبيراً حتى وصلت نُسخة منه إلى يد القسقيس غريغوريس رختر! فعاد القسيس ُ المتشدد ليسبب المتاعب من جديد إلى بوهمه ، وبدأ يهاجمه على المنبر وشتمه وقال فيه أن كتبه مليئة بدهان الأحذية القذرة ، ونتيجة إلى الضوضاء التي صنعها القسيس المتشدد غريغوريس رختر اضطرت ُسلطات البلدة أن تطرد بوهمه خارج المدينة لكنه لجأ الى بلاط الأمير في مدينة دريسدن حيث أستجوب بوهمه عدداً من مفكري اللوثرية المشهورين والمعروفين بحكمتهم وبالنهاية أتفقوا جميعاً أن أفكاربوهمه كانت أعمق من إدراكهم ، وبعد شهرين رجع إلى مدينته ، إلى أن جاء يوم 20 نوفمبر عام 1624 في الساعة 00:1 دعا بوهمه إبنه توبياس إلى سريره ، وسأله هل سمعت الموسيقى السماوية من قبل ؟ وقال أن هذا الوقت لم يحن بعد بالنسبة لي ، ولكن بعد ثلاث ساعات سيكون وقتي " وبالفعل مات يعقوب بوهمه وقال كلمته الأخيرة وهو سعيد " الآن .. أنا ذاهب إلى الجنة " وهذا هو قبر يعقوب بوهمه بالصورة .أعماله كتب بوهمه العديد من الكتب ورسم الكثير من الرسومات الغامضة والمعقدة في كيفية فهم الجوانب الروحية المقدسة ، وعن العوالم الكونية والعوالم الموازية والأبعاد وغير ذلك ، وانتشرت شهرته في كل أنحاء القارة الأوروبية بعد موته وترجمت مؤلفاته إلى عدة لغات وتشكلت جمعيات ضمت المعجبين به وشيدت المدينة التي عاش فيها تمثالاً له وبدأت تحتفل بذكراه ، درس مؤلفاته العديد من كبار الفلاسفة والتلاميذ الذي كانوا يذكرون أسمه بإحترام ، لقد برع بوهمه في عدة مجالات منها الكيمياء والخيمياء ولقد تحدث في كتبه عن استكشافه للجوهر الالهي والدليل على كيفية النظر للذات الإلهيه والكائنات الخارقة وكذلك تناول الملائكة وخلقها ، وتحدث عن إبليس ، وخلق السموات والأرض وأعماق الأرض والنجوم والكواكب ، ولقد كتب في أعمال كثيرة عن تفاصيل الكون والبصيرة و الأرواح والخلود والجنة والنار ، وأعرب عن اعتقاده بأن هنالك ثلاثة عوالم "عالم الضوء" و "عالم الظلام" و "عالم من نار" وأن السماء والجحيم تتداخل مكانياً وأن الشيطان غير قادر على التواصل مع الله لأنه في عالم كما نقول اليوم ، عالم غير مواز ، اعتقد يعقوب بوهمه بأن العالم المرئي قد نشأ نتيجة كارثة ّجراء فعل الرحمة الإلهية الذي أراد أن يحد من توسع الشر بحد ذاته ، وحينما تتذمر من الأرض بمثابة مجاز للجحيم ، ويقول فلنتذكر أنه كان بالإمكان أن يكون الجحيم خالصاً بدون أي إشعاع للجمال أو الطبيعة ، ويقول بوهمه بأن آدم كان مثل أدمون رجلاً فضائياً في رحم الألوهية ، ظهر وسط الطبيعة المختلقة ، لكنه كان ملائكياً قد وهب جسداً لا مرئياً ، كان مغرراً من قبل قوى الطبيعة التي كانت تناديه : نحن ها هنا ، حقائق ، وأشكال ، وأشياء ، نطالب فقط أن نتبعك وأن نخدمك ، ترانا وتلمسنا ، يمكنك أن تقودنا بنظرة ، وإيماءه ، هل رأيت ذات مرة كائناً أعظم منك ؟ بنظرة وبإيماءه بإمكانه أن يأمر عناصر الطبيعة ، أنت إله حقيقي لنا ، أنت سيد الخليقة الحقيقي ، إتّحد بنا ، لنكن نفس الجسد، نفس الطبيعة ، فالنتحد ، واستسلم آدم للإغواء ، حيئنذ أرسل الله عليه حلماً عميقاً ، وبعد أن أفاق وقفت حواء أمامه . ويقول بوهمه ايضاً من ضمن كتاباته : أيها اللاهوتيون الموقرون قد أهتممت بالمعرفة السرية لقرون عديدة ، إنما من ألم القلب وأنا أنظر لبشاعة العالم ، إذا كان الله كلي القدرة فربما سيسمح بذلك ، من أين حدود قدرته ولم هو له نظام الخليقة ، هكذا حاول أن يُجيب السحريون والعرافون والخيميائيون وفرسان الصليب الوردي ، اليوم بإمكانهم أن يجدوا تأكيداً لهواجسهم في تأكيد فيزياء الفلك بإن الفضاء والزمن ليسا خالدين ، لكن لهما بداية ، في لمعان واحد لا متخيل منه ، ُشرع بعد الدقائق والساعات وقرون القرون ، بينما هم إهتموا بما أعتمل في رحم الألوهية قبل ذلك اللمعان ، أي كيف ظهر نعم أو لا ، الخير والشر ، أعتذر أيها اللاهوتيين المبجلون ، عن النغمة غير المناسبة لبنفسجية بردكم ، أترنح وأتقلب في سرير أسلوبي باحثاً ماهو مناسباً لي بلا مبالغة دينياً ولا مبالغة دنيوياً ، يجب أن يكون ُهناك مكاناً وسط ، ما بين التجربة والخرف ، لكي يكون التحدث ُممكناً بجدية حول الأشياء الجدية حقاً ، التعاليم الكاثوليكية تبدو كأنها ببعض السنتيمترات أعلى ، نتسلق على أطراف أصابعنا وحينئذ يبدو لنا عبر وهله بإننا نرى ، سوى أن سر الثالوث المقدس وسر الخطيئة وسر التكفير عن الذنوب ُم ّ حصنة ضد العقل الذي يُجامل دون جدوى أن يتعرف على تاريخ الله لما قبل الخليقة ، ومنذ متى جرى الإنقسام إلى الخير والشر في مملكته ، وماذا سنفهم من البنات المتقدمات بملابسهن البيضاء إلى التعميد الأولى ؟ ولأن ذلك كثير بقليل على اللاهوتيين الأشبيين ، لذا فهم يغلقون الكتاب المقدس ُمستدلين بعدم كفاية اللغة البشرية ، ومع ذلك فهذا ليس سبباً كافياً لكي يثرثروا حول يسوع الصغير الحلو الراقد فوق التبن .الإنتقادات لقد تعرض بوهمه إلى كثير من الإنتقادات وتم تكذيبه وأنه لم يكن سوى صبي خبيث كان يتعامل مع الشيطان ولا يحق له أن يكون موضع اهتمام لأولئك العظماء الذين اهتموا به ، فمن ضمن الانتقادات بخصوص مسألة الغموض في كتاباته فيعود ذلك إلى ضعف في التأليف ! فيخفي ارتباكه في ذلك الغموض والشيفرات التي كان يستخدمها فهو كان مجرد صانع أحذية غير مثقف ، وأن تلك الرؤى لم تكن إلا خيالاً وكذب ، ومع ذلك نجد أن الكاتب "كولن ويلسون" يقول بأن بوهمه يعتبر رائداً في علم النفس وكان يدرك أشياء كثيرة تحدث في نفسهويدرك كيف ينتقل من الحالة الذهنية العادية إلى ذهنية مصاحبة للرؤى دون أي مجهود ، بالرغم من أنه لم يكن هنالك علم نفس في زمانه ، ولهذا أخترع لغته الخاصة ليصف ما كان هنالك ، يقول بوهمه " لو لم يتم تنظيف أبواب الإدراك فإن كل شيء سيجعل الإنسان كما هو ، محدوداً في قدراته " هذا المبدأ الروحي في الإنسان هو أسمى من الحيوان والمنطق ومتفوق على الجسم المادي ، ومتفوق كذلك على الفكر ، أنها لا تحتاج إلى العقل والتخمين ولا يمكن تصورها فكرياً فقط تحتاج إلى الروح ، فهل كان يعقوب بوهمه دجالاً يحاول أن يعوض النقص في عدم إكماله للتعليم باختلاقه كل ذلك ، أم كان ساحراً يتعامل مع الشيطان في كل مكتسباته وعلومه الغريبة ، أم أنه قد تم تعليمه وإطلاعه على العلوم الباطنية من الكيانات النورانية من العالم الآخر ، أم أن التصوف العميق والإنعزال كان له الدور الأكبر في حياة يعقوب بوهمه وقدراته الخارقة ، بخاصة إذا ما علمنا أن ظهور الأنوار الإلهية في قلب الإنسان الصوفي العارف هو برهان التجربة الصوفية في أدنى مظاهرها ، كما قال إبن خلدون : أن كثيراً ممن استحكمت فيهم التصفية وبلغت بعد رفع الحجاب مبالغها تشرق أنوار التجلي والمشاهدة عند إمحاء ذاته🙋

Blogroll

توفيق الحكيم
 احسان عبد القدوس
محمد حسانين هيكل
 اجاثا كريستي
توفيق الحكيم
 احسان عبد القدوس
محمد حسانين هيكل
 اجاثا كريستي
توفيق الحكيم
 احسان عبد القدوس
محمد حسانين هيكل
 اجاثا كريستي